قصة



كان هناك رجل تزوج بإمرأة فاتنة الجمال من بناة عمه 
فرزق من زوجته ستة أولاد وكان يعيش مع زوجته وأولاده في سعادةورخاء وكان للزوجة والد وأخ وعبد وكان الوالد كبير السن لا يكاد يخرجمن البيت والأخ شاب في مقتبل العمر لا يكاد يعود من غزوة إلا همبأخرى أما العبد فكان يرعى ابل عمه التي كلها من الإبل الأصيلة مجاهيمأي سود. وكان هذا العبد يحب ابنة عمه حباً شديداً ومولع ومفتتن بهاوبجمالها وقد راودها عن نفسها عدة مرات فكانت تصده عن نفسها بعنفوشدة وكان العبد يترقب الفرصة السانحة ليضرب ضربته القاضية وينالمن ابنة عمه ما يريد وسنحت له الفرصة ذات يوم حيث كان ابن عمهغازيا فجاء العبد إلى ابنة عمه وطلب منها ما كان يطلبه فصدته وأغلظتله القول فما كان من العبد إلا أن أخذ حربته وذهب إلى زوج المرأة فقتلهثم ذهب إلى أبيها فأرداه قتيلاً ثم جاء إلى المرأة وقد شهدت مصرعزوجها ووالدها وكرر طلبه إليها فكان موقفها هوهو لم يتغيرفجاء بأولادها وكانوا كلهم صغاراً فطلب منها أن تجيبه الى طلبه وإلا قتلأولادها فكان موقفها صارماً وأصرت على الامتناع منه فقتل الابن الأولوالثاني والثالث وهي ترى وتصر على موقفها حتى قضى العبد علىأولادها الستة ثم أخذ الزوجة الممتنعة عليه وأركبها إحدى الرواحل وأخذالإبل المجاهيم وهرب بالزوجة والإبل وسار بها من صحراء إلىصحراء وكان يعرف جبالا بعيدة لايعرفها أحد وبين هذه الجبال بئرمهجورة لا يصل إليها أحد فسار إليها وسكن بين هذه الجبال وحفر البئرحتى أخرج ماءها فصار يسرح بالإبل ويأوي إلى زوجة عمه عند هذهالبئر وأدرك مقصودة من هذه المرأة عندما رأت أنه لا مفر لها ولا سبيلإلى الامتناع ورزقت منه ولداً ثم رزقت منه آخر كأنهم أفراخ الغربانوكان في إمكان هذه المرأة أن تتحايل عليه وتقتله ولكنها إذا قتلته فأينتذهب وكيف تهتدي إلى طريق لقد جاء بهما إلى مجاهل في الصحراءلا يطرقها أحد ولا يهتدي إليها قاصد وكانوا لا يرون في هذا الموردإلا غرابا أسود يأتي إذا وردت الإبل فيأخذ من أوبارها ثم يطير إلى حيثلا يعرفون وخاف العبد من هذا الغراب أن يدل عليهم بهذه الأوبار التييأخذها من ظهور الإبل وحاول العبد قتل الغراب فلم يستطع ونصب له فخاً فلم يقع فيه وحاول بكل وسيلة أن يقضي على هذا الغراب ولكن الغرابكان حذرا واعيا لا تنطلي عليه الحيلة ولا يترك مجالا لكي يصطاده العبدوأخيرا يئس العبد من صيده وتركه يرد بورود الإبل فيأخذمن أوبارها ( شعرها ) ثم يطير حتى يختفي عنهم وراء الجبال ورجعأخو المرأة من إحدى غزواته وعندما قرب من مضارب أهله أحسإحساساً خفياً بأن في الأمر كارثة وقرب حتى أشرف على الحي فوجدالهدوء يخيم عليه ولا أحد يروح ولا أحد يجيء وازداد تشاؤمه وازدادوجومه واستمر في سيره حتى وصل إلى الديار فرأى جثة والده وجثةزوج أخته وجثث الأطفال تتناثر حول البيوت وكاد أن يصعق من هولالمنظر لولا أنه كان يتمتع بكثير من الجرأة والشجاعة وأن مناظر القتلىوالدماء ليست غريبة عليه فطالما فتك وطالما قتل وطالما شاهد أمثالهذه المناظر ولكنها ليست من أقاربه أنها من قوم أعداء يغير عليهمويغيرون عليه ويقتلون اذا قدروا عليه ويقتلهم إذا قدروا عليهوتماسك الرجل وعاد إليه بعض الهدوء عندما مرت الصدمة الأولى ورأىكل شيء على حاله ولم يفقد إلا الإبل المجاهيم وأخته والعبد فعلم بمالا يدع مجالاً للشك أن هذا من صنيع العبد وأن العبد قد أخذ أخته وأخذالإبل وهرب بالجميع ولكن أين هرب بهم إنه لا يدري ولكنه لا بد انيكون دافع الـخـــوف والطمع سوف يسوقه إلى مكان بعيد لا يصل إليهومع هذا فإن الأخ الشاب لم يفقد الأمل في العثور عليه مهما طال المدىوأخذ الشاب تلك البقايا الباقية من الأموال وأودعها عند أحد أبناء عمهثم ركب راحلته وصار يسير من حي إلى حي ويسأل عن هذا العبد ولاأحد يعطيه أي خبر ولم يفقد الأمل بل كان مصمماً على الوصول إلىنتيجة واستمر في أسفاره وتنقلاته من حي إلى حي ومن ديره الي ديرهحتى وصل ذات يوم إلى أبيات في سفح جبل وأناخ راحلته عندهم ليرتاحوليسأل فرحب به القوم وأكرموه وسأل عن العبد فأخبروه أنه لا علم لهمبه ونظر إلى عجوز تغزل وبراً ( شعرا ) أسود فأحس أن هذا الوبر منإبله ان لون الوبر هو لون وبر أباعره وسأل العجوز من أين هذا الوبرفقالت انني آخذه من تلك الشجرة من عش غراب وهو يأتي بهذا الوبرمن وراء تلك الجبل وأحس الشاب ببعض الراحة وأحس إنه أمسك طرفالخيط وأنه سيقوده إلى مبتغاه وبقي الشاب في الحي يراقب الشجرةويترقب ذهاب الغراب ثم عودته ورأى الغراب يطير من تلك الشجرةفراقبه في طيرانه حتى اختفى عنه وراء تلك الجبال فتبع أثرهوسار في الاتجاه الذي اتجه إليه الغراب وعلا على تلك الجبال ثم هبطمنها ثم علا جبالا أخرى وهبط منها وهو يراقب الغراب في كل يوم عندمايمر به غاديا أو رائحاً ويتجه إلى حيث يذهب الغراب واستمر في التغلغلبين تلك الجبال حتى أشرف ذات يوم فرأى المورد ورأى الإبل ورأى العبد ورأى البيت وأخته تروح وتجيء واختفى الأخ تحت صخرة منالصخور وعلم أنه الآن وصل إلى ما يريد وبقي أن يرسم خطة ناجحةللقضاء على هذا العبد إن العبد قوي وهو رام ماهر لا يخطئ وهو شجاعفاتك لا يهاب الموت إذن لا بد من اللجوء إلى المكيدة إلى الخدعة إلىأخذ العبد على غره وأسقى العبد إبله ثم ذهب بها إلى المرعى وتركالمرأة وأولادها في البيت وجاء الأخ يمشي متخفياً حتى قرب من البيتالذي فيه أخته وسمعها تنشد شعراً يـا طــول مـاني عـمـة لـك صبـيـحة واليوم يا عـبــــد الـــخــطـا صرت لي عم ومن أول في السوق تشري الذبيحة لأســيــــــــادك اللي كل ما دبــــــروا تم لأهل الـعـطـــــايــــا والذلول المليحة وأهل السيوف اللي لـــعـــــــابيـــنها دم ماتوا بغدر العبد لا في فـضـــيــــــحة وراحوا لربٍ يـــكـــشــــف الـهـم والـغـم أرجيه يرحم طايح في مــــطـيـــحــة ويشفي غليلي في أسود الخال والعم بأخوي ذخري في الليالي الشحيحة هــــو بـــعـــــد أبــــــوي الأب والأخ والأم 
فلما سمع أخوها هذه الأبيات فرح واطمأن إلى أنها لم تذهب مع العبدهوى منها ورغبة وإنما ذهبت في ظل الخوف والإرهاب الذي لا شك أنهاتعرضت له وكان الأخ قد صمم على قتلها ثم قتل العبد ولكنه علم بأنهامكرهه وأنها تعيش في وضع تأنف منه ولا ترضاه قرر أن يتعاون معهاعلى قتل العبد ‍‍‍‍ وجاء إليها يسعى وما اشد دهشتها عندما رأت أخاها وماأشد فرحتها عندما عانقته وقبلته ونظر الأخ حوله فرأى ولدين لأخته كلواحد منهما كأنه قطعة من الليل وقال لها أخوها ما هؤلاء فقالت أولادالعبد وسألها عن قصتها مع العبد فأخبرته وسألها عن موعد مجيئهورواحه فأخبرته بكل شيء ‍ ورسم الخطة هو وإياها متى يقتله .. وكيف يقتله .. وقالت له أخته إن أفضل وقت تقتله فيه ليلاً عندما يأتيبالإبل فتأوي إلى مباركها ثم ينشغل بحلبها وأفضل طريقة هي أن تقتلهإذا جاء يحلب الناقة الفلانية وهي ناقة نحوس أي صعبة المراس فإنه لا يحلبها إلا إذا ربطها ثم دخل تحتها ففي هذه الحالة يمكنك أن تدنو منهلبعد خطوات ثم تسلط عليه السهام ‍‍ واختفى الأخ تحت إحدى الصخوربعد أن رسما خطة الهجوم وجاء العبد ليلاً وانشغل بحلب الإبل حتى أتىدور الناقة النحوس الصعبة المراس فلما عقلها ودخل تحتها قرب منهحتى لم يبق بينه وبين العبد إلا عدة خطوات ثم أطلق عليه سهماً فلميصب منه مقتلاً إلا أنه بتر ساقه وبهذا بقي حياً ولكنه لا يستطيع حراكاً ‍‍فالتفت العبد ورأى أخا المرأة فأيقن بالهلاك وعلم أن الغراب اللعين هوالذي دل عليه ولما أراد الأخ أن يجهز على العبد طلب منه أن يعطيهمهلة قليلة يقول فيها كلماته الأخيرة في الحياة فتوقف الأخ عن الإجهازعليه ، منتظراً ما سيقوله العبد وما سيختم به حياته المليئة بالغدروالخيانة والوحشية وفكر العبد قليلاً ثم أنشد شعراً 
حبلت لغراب البين من عام الأول 
وعيـا غراب البين ياطا الكفايف وبغيت أصيده بالتفق وانتبه لي وطار بـوبرها في شبوره لفايف وعرفت يا عـمــــار إنــــك تجيني وأنا لاجئ مابين الأضلاع خايف واليوم أنا حصلت ما كنت أريده ودنيــاي بعده ما عليها حسايف يا طول ما وسدت راسي ذراعه ويا طول ما مزيت ذيك الشفايف وافعل بعبدك بعد ذا ما تــــورى الأيــام هذه طبعها في الطوايف يوم على الأضـــداد نــار لـضـيـه ويوم على الإخوان هم والعرايف وبعد أن أنهى العبد شعره أراد عمار أن يجهز عليه ولكنه تذكر أولادهفجاء بهم أمامه واحداً واحداً وصار يقتلهم والعبد يرى ويتألم ولكن لا حيلة له وتلك سنة سنها العبد بنفسه انها طريقة فيها قسوة وفيهاوحشية ولكنها قصاص ولكنها معاملة بالمثل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ولكن عماراً لا يستطيعصبراً ولن يحمل هؤلاء الغربان معه حتى لا يذكروه بمأساة أخته وبعد أن قضى عليهم أجهز على العبد وهو لا يحير جواباً ولم ينطق بأيكلمة بعد الأبيات التي أنشدها سابقاً فلما قضى عمار على العبد جرهبرجله وألقاه في البئر ثم أتبعه بأولاده ثم جمع حطباً كثيراً وألقاه فيالبئر حتى امتلأت وأوقد فيه النار ثم رحل بأخته وأخذ معه ذود الإبل التيكان العبد قد هرب بها ولم تشعر قبيلة عمار إلا بعمار يقدم عليهم ومعهأخته ومعه إبله ففرحوا بقدومه فرحا شديداً وأقاموا الأفراح وحفلات
 البهجة .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجزيرة

تحويل التاريخ الهجري إلى ميلادي

تحويل التاريخ
ميلادي إلى هجري هجري إلى ميلادي
اليوم: الشهر: السنة
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More